في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه

في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه  في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه وما يمنع الحمل أو يسقطه *استعمال المرأة ما يمنع حيضها جائز بشرطين ‏:‏...

في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه 



في استعمال ما يمنع الحيض أو يجلبه
وما يمنع الحمل أو يسقطه
*استعمال المرأة ما يمنع حيضها جائز بشرطين ‏:‏
الأول‏:‏ألا يخشي الضرر عليها ، فإن خشي الضرر عليها من ذلك فلا يجوز لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ‏}‏ ‏[‏البقرة‏:‏ من الآية،195‏.‏‏]‏‏.‏ ‏{‏وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً‏}‏ ‏[‏النساء‏:‏ من الآية،29‏.‏‏]‏ ‏.‏
الثاني ‏:‏ أن يكون ذلك بإذن الزوج إن كان له تعلق به مثل أن تكون معتدة منه على وجه تجب عليه نفقتها ، فتستعمل ما يمنع الحيض لتطول المدة وتزداد عليه نفقتها ، فلا يجوز لها أن تستعمل ما يمنع الحيض حينئذ إلا بإذنه، وكذلك إن ثبت أن منع الحيض يمنع الحمل فلا بد من إذن الزوج ، وحيث ثبت الجواز فالأولي عدم استعماله ، إلا لحاجة ؛ لأن ترك الطبيعة على ما هي عليه أقرب إلى اعتدال الصحة فالسلامة ‏.‏
* واما استعمال ما يجلب الحيض فجائز بشرطين أيضاً ‏:‏
الأول ‏:‏ ألا تتحيل به على إسقاط واجب ، مثل أن تستعمله قرب رمضان ، من أجل أن تفطر أو لتسقط به الصلاة ، ونحو ذلك ‏.‏
الثاني ‏:‏ أن يكون ذلك بإذن الزوج ، لأن حصول الحيض يمنعه من كمال الاستمتاع ، فلا يجوز استعمال ما يمنع حقه إلا برضاه ، وإن كانت مطلقة فإن فيه تعجيل إسقاط حق الزوج من الرجعة إن كان له رجعة ‏.‏
*وأما استعمال ما يمنع الحمل فعلي نوعين ‏:‏
الأول ‏:‏ أن يمنعه منعاً مستمراً فهذا لا يجوز ، لأنه يقطع الحمل فيقل النسل ، وهو خلاف مقصود الشارع ، من تكثير الأمة الإسلامية ، ولأنه لا يؤمن أن يموت أولادها الموجودون فتبقي أرملة لا أولاد لها ‏.‏
الثاني ‏:‏ أن يمنعه منعاً مؤقتاً ، مثل أن تكون المرأة كثيرة الحمل ، والحمل يرهقها ، فتحب أن تنظم حملها كل سنتين مرة أو نحو ذلك فهذا جائز، بشرط أن يأذن به زوجها وألا يكون به ضرر عليها ، ودليله أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم من أجل ألا تحمل نساؤهم ، فلم ينهم عن ذلك ‏.‏ والعزل أن يجامع زوجته وينزع عند الإنزال فينزل خارج الفرج ‏.‏
*وأما استعمال ما يسقط الحمل على نوعين ‏:‏
الأول ‏:‏ أن يقصد من إسقاطه إتلافه ، فهذا إن كان بعد نفخ الروح فيه فهو حرام ، بلا ريب ، لأنه قتل نفسٍ محرمة ٍ بغير حق وقتل النفس المحرمة حرام بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، وإن كان قبل نفخ الروح فيه فقد اختلف العلماء في جوازه ، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، ومنهم من قال ‏:‏ يجوز ما لم يكن علقة، أي ما لم يمضي عليه أربعون يوماً ، ومنهم من قال ‏:‏ يجوز ما لم يتبين فيه خلق إنسان ‏.‏
والاحوط المنع من إسقاطه إلا لحاجة كأن تكون الأم مريضة لا تتحمل الحمل ونحو ذلك ، فيجوز إسقاطه حينئذ ٍ إلا إن مضي عليه زمن يمكن أن يتبين فيه خلق إنسان فيمنع ‏.‏ والله أعلم ‏.‏
الثاني ‏:‏ ألا يقصد من إتلافه بأن تكون محاولة إسقاطه عند انتهاء مدة الحمل وقرب الوضع فهذا جائز ، بشرط ألا يكون في ذلك ضرر على الأم ، ولا على الولد،وألا يحتاج الأمر إلى عملية فله حالات أربع ‏:‏
الأولي ‏:‏ أن تكون الام حية والحمل حياً ، فلا تجوز العملية إلا للضرورة ، بأن تتعسر ولادتها فتحتاج إلى عملية ، وذلك لأن الجسم أمانة عند العبد، فلا يتصرف فيه بما يخشي منه إلا لمصلحة كبري ؛ ولأنه ربما يظن ألا ضرر في العملية فيحصل الضرر ‏.‏
الثانية‏:‏أن تكون الأم ميته والحمل ميتاً، فلا يجوز إجراء العملية لإخراجه لعدم الفائدة
الثالثة ‏:‏ أن تكون الأم حية والحمل ميتاً ، فيجوز إجراء العملية لإخراجه ، إلا أن يخشي الضرر على الأم لأن الظاهر ـ والله أعلم ـ أن الحمل إذا مات لا يكاد يخرج بدون العملية ، فاستمراره في بطنها يمنعها من الحمل المستقبل ، ويشق عليها ، وربما تبقي أيماً إذا كانت معتدة من زوج ‏.‏
الرابعة ‏:‏ أن تكون الأم ميتة والحمل حياً ، فإن كان لا ترجي حياته لم يجز إجراء العملية ‏.‏ وإن كان ترجي حياته ، فإن كان قد خرج بعضه شُق بطن الأم لأخراج باقيه ، وإن لم يخرج منه شيء ، فقد قال أصحابنا رحمهم الله ‏:‏ لا يشق بطن الأم لإخراج الحمل ، لأن ذلك مثله ، والصواب أنه يشق البطن إن لم يمكن إخراجه بدونه ، وهذا اختيار ابن هبيرة ، قال في الإنصاف (50) وهو أولى
قلت ‏:‏ ولا سيما في وقتنا هذا فإن إجراء العملية ليس بمثله ، لأنه يشق البطن ثم يخاط؛ ولأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت ، ولأن إنقاذ المعصوم من الهلكة واجب ، والحمل إنسان معصوم فوجب إنقاذه ‏.‏ والله أعلم ‏.‏
تنبيه ‏:‏ في الحالات التي يجوز فيها إسقاط الحمل فيما سبق لا بد من إذن من له الحمل في ذلك كالزوج ‏.‏
وإلى هنا انتهى ما أردنا كتابته في هذا الموضوع الهام ، وقد اقتصرنا فيه على أصول المسائل وضوابطها وإلا ففروعها وجزئياتها وما يحدث للنساء من ذلك بحر لا ساحل له ، ولكن البصير يستطيع أن يرد الفروع على أصولها والجزئيات على كلياتها وضوابطها ، ويقيس الأشياء بنظائرها ‏.‏
وليعلم المفتي أنه واسطة بين الله وبين خلقه في تبليغ ما جاءت به رسله ، وبيانه للخلق،وانه مسئول عما في الكتاب والسنة ، فإنهما المصدران اللذان كلف العبد فهمهما، والعمل بهما ، وكل ما خالف الكتاب والسنة فهو خطا يجب رده على قائله ، ولا يجوز العمل به ، وإن كان قائله قد يكون معذوراً مجتهداً فيؤجر على اجتهاده لكن غيره العالم بخطئه لا يجوز له قبوله ‏.‏
ويجب على المفتي أن يخلص النية لله تعالى ، ويستعين به في كل حادثة تقع به ، ويسأله تعالى الثبات والتوفيق والصواب ‏.‏ ويجب عليه أن يكون موضع اعتباره ما جاء في الكتاب والسنة ، فينظر ويبحث في ذلك أو فيما يستعان به من كلام أهل العلم على فهمهما ‏.‏
وإنه كثيراً ما تحدث مسالة من المسائل ، فيبحث عنها الإنسان فيما يقدر عليه من كلام أهل العلم ، ثم لا يجد ما يطمئن إليه في حكمها ، وربما لا يجد لها ذكراً بالكلية ، فإذا رجع إلى الكتاب والسنة ، تبين له حكمها قريباً ظاهراً وذلك بحسب الإخلاص والعمل والفهم ‏.‏
*ويجب على المفتي أن يتريث في الحكم عند الإشكال وألا يتعجل ، فكم من حكم تعجل فيه ، ثم تبين له بعد النظر القريب ، أنه مخطئ فيه ، فيندم على ذلك ، وربما لا يستطيع أن يدرك ما أفتي به ‏.‏
* والمفتي إذا عرف الناس منه التأني والتثبيت وثقوا بقوله واعتبروه ، وإذا رأوه متسرعاً ، والمتسرع كثير الخطأ ، لم يكن عندهم ثقة فيما يفتي فيه فيكون بتسرعه وخطئه قد حرم نفسه وحرم غيره ما عنده من علم وصواب ‏.‏
نسأل الله تعالى أن يهدينا وإخواننا المسلمين صراطه المستقيم ، وأن يتولانا بعنايته ، ويحفظنا من الزلل برعايته ، إنه جواد كريم ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ‏.‏ والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ‏.‏
تم بقلم الفقير إلى الله ‏:‏ محمد الصالح العثيمين في ضحي يوم الجمعة الموافق 14 شعبان 1392هـ ‏.‏

You Might Also Like

0 التعليقات

Flickr Images